نشأ هذه المشروع بناء على طلب من المنظمات السورية الخمس التالية التي تمثل الضحايا والناجين الذين عانوا على يد جناة متنوعين في سوريا:
ويهدف هذا التقرير إلى وضع أهداف هذه الجماعات الخمس في صميمه وضمان أن تكون أي آلية تُنشأ للتعامل مع قضية المختفين والمعتقلين مرتكزة على الضحايا وتركّز على الإفراج عن المعتقلين، وتحديد أماكن مرافق الاعتقال، والعثور على رفات الأفراد الذين توفوا، والبدء في عملية تحديد ما جرى لهم
وهذا لا يعني التخلّي عن الأهداف الطويلة الأجل فيما يتعلق بالعدالة، من قبيل الملاحقة القضائية لمرتكبي الجرائم. فحسبما صرحت هذه الجماعات الخمس في ميثاق الحقيقة والعدالة الذي أطلقته في 10 شباط/ فبراير 2021: “نحن … نفرّق بين العدالة القصيرة الأمد والعدالة الطويلة الأمد. فعلى المدى القصير، هناك إجراءات فورية لا بد من اتخاذها لوقف الانتهاكات المستمرة والتخفيف من معاناة الناجين/ات والضحايا وعائلاتهم. وأما على المدى المتوسط إلى الطويل، فلدينا مطالب إضافية لضمان العدالة الشاملة ومنع تكرار الجرائم التي عانينا منها وما زلنا نعاني منها”. ويجب أن تأخذ المساءلة مسارها في نهاية المطاف، إلا أن الأولوية المباشرة للأفراد الضحايا هي معرفة مصير أحبائهم
يقيم هذا التقرير حجة لإقامة آلية جديدة للعثور على المختفين والمعتقلين في سوريا، وبهذا فإنه يسعى إلى تسليط الضوء على طبيعة حالات الاختفاء القسري والاعتقال ومداها في سوريا منذ عام 2011، وهو يدرس ما هي أوجه المساعدة المتوفرة حالياً للناجين وأفراد الأسر المعنية. ويستعرض التقرير استعراضاً موجزاً الدروس المستفادة من الكيفية التي تم من خلالها تتبع الناجين والضحايا في مناطق نزاعات أخرى، وأخيراً يقدم التقرير الخيارات المتوفرة لإقامة آلية جديدة ضمن الأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو تكتلات أخرى للبلدان
لم تنضم سوريا إلى الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري. ونحن نعتبر التعريف الوارد في هذه الاتفاقية بأنه تعريف مهم، وكذلك تعريف فريق الأمم المتحدة العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أوغير الطوعي (“فريق الاختفاء القسري”) لهذا المصطلح
يعرّف فريق الاختفاء القسري مصطلح ’الاختفاء القسري‘ بأنه يحدث عندما يُحرم شخص من حريته ضد إرادته، في حالة ضلوع مسؤولين حكوميين – بصفة مباشرة أو غير مباشرة، أو عن طريق القبول الضمني – ورفض الإقرار بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء المعلومات عن مصير الشخص المعني أو مكان وجوده. بالتالي، كي تُعرّف حالة ما على أنها اختفاء قسري، فعادة ما تتطلب ارتباطاً بأنشطة الدولة، وأحياناً يكفي إظهار بعض الارتباط بين الاختفاء والدولة – من قبيل القبول الضمني من قبل الدولة بسلوك منظمة ترتكب هذه الممارسة
يسمح نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية بإخضاع المنظمات السياسية للمساءلة والملاحقة القانونية إذا ارتكبت أعمال اختفاء قسري واسعة النطاق ومنهجية تصل إلى مستوى جرائم ضد الإنسانية، وهذه هي الحال في سوريا
وتجدر الإشارة إلى أنه حتى لو لم تُرتكب جرائم ضد الإنسانية من قبل جهات فاعلة من غير الدول، إلا أن سلوكها على القدر نفسه من الجرمية، فهو وإن لم يلبِّ التعريف الدولي، إلا أنه مشمول في القوانين المتعلقة بالاختطاف والاعتداء، بما في ذلك ضمن قانون العقوبات السوري
قد يتداخل ارتكاب الاختفاء القسري أحياناً مع الاعتقال التعسفي. ويُعتبر الاعتقال التعسفي غير قانوني بموجب عدة معاهدات دولية وقوانين أخرى. كما أن القانون الدولي واضح بشأن الحق بمعرفة الحقيقة فيما يتعلق بالاختفاءات القسرية، وهو يتطلب إجراء تحقيقات بشأن المختفين قسرياً والسعي للكشف عن الحقيقة
يتناول القانون الإنساني الدولي حالات الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي، إلا أنه لا يستخدم هذه المصطلحات تحديداً. وبخصوص حالات الاعتقال، ثمة مواد محددة في اتفاقيات جنيف والبروتوكولات الإضافية الملحقة بها تتناول منع حالات الاعتقال بموجب القانون الإنساني الدولي. وثمة مواد متنوعة تنص على ضمانات من الاعتقال أثناء النزاعات المسلحة غير الدولية، بما في ذلك المادة العامة 3 والمادة 5 من البروتوكول الإضافي الثاني
لا توجد إشارة مباشرة إلى الاختفاءات القسرية في اتفاقيات جنيف أو البروتوكولات الإضافية، ولكن وجَدت دراسة أجرتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر بشأن القانون الإنساني الدولي العرفي أن حظر الاختفاءات القسرية هو من أعراف القانون الدولي العرفي في النزاعات الدولية والنزاعات غير الدولية على حدٍ سواء، وأكدت بالتالي على أن “الاختفاء القسري محظور”
اعتمدت المنهجية المتّبعة في إجراء هذه الدراسة أولاً على استعراض المؤلفات في هذا المجال لتكوين فهم كامل لنطاق القضايا المشمولة والخروج بأفضل استراتيجية للتعامل معها. وثمة الكثير من المعلومات المفيدة والحديثة أعدتها منظمات متنوعة حول هذه القضايا
ثانياً، أجريت مقابلات ومناقشات مع طائفة متنوعة من الأفراد العارفين بالوضع في سوريا عموماً وبقضية المختفين والمعتقلين بصفة خاصة، بما في ذلك أفراد من العاملين في اللجنة الدولية للصليب الأحمر، واللجنة الدولية المعنية بالمفقودين، وفريق الأمم المتحدة العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أوغير الطوعي، والآلية الدولية المحايدة والمستقلة، إضافة إلى مجموعة متنوعة من المحامين الدوليين، والأفراد الذين عملوا على هذه القضايا ضمن سياقات وبلدان متنوعة، وعدد من الأكاديميين، وعدد من المنظمات السورية، ومنظمات دولية ومحلية معنية بحقوق الإنسان، وجهات أخرى. وقد تواصلت المشاورات مع المنظمات الخمس التي طلبت إجراء هذه الدراسة، وعلى امتداد العملية
بعد ذلك، تم إرسال استبيان طويل إلى منظمات سورية معنية بالتوثيق بغية تحديد مدى المعلومات التي جمعتها، وعدد الأشخاص الذين تتوفر عنهم تفاصيل، ونوع المعلومات التي بحوزتها حول هؤلاء الأشخاص وكيفية ترتيب المعلومات وتنظيمها. ثم جرى تحليل السبل المتوفرة – وحدود هذه السبل – لعائلات المختفين والمعتقلين للحصول على معلومات والكشف عن الحقيقة والانتصاف. وقد جرت مراجعات للمؤلفات إضافة إلى منقاشات مع الجماعات المعنية بهذا العمل بغية فهم طبيعة الوسائل المتوفرة وحدودها
وبهذه الطريقة، تم تحرّي الأدوار التي أدتها مؤسسات متنوعة، بما فيها لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالجمهورية العربية السورية، والآلية الدولية المحايدة والمستقلة، وفريق الأمم المتحدة العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أوغير الطوعي، فريق الأمم المتحدة العامل المعني بالاعتقال التعسفي، واللجنة الدولية المعنية بالمفقودين، واللجنة الدولية للصليب الأحمر، وذلك لفهم ما الذي تفعله هذه المؤسسات في الوقت الحالي، وما الدور التعاوني الذي يمكن أن توفره هذه العمليات للآلية المستقبلية المنشودة
يقيم هذا التقرير حُجّة بوجود حاجة ملحّة لإقامة آلية جديدة ووجوب أن تبدأ العمل فوراً لتحديد طرق للإفراج عن المعتقلين والعثور على معلومات حول الأفراد الآخرين الذين احتجزوا ولا يُعرف مكان وجودهم