ليس خيارنا.. ولكننا محكومات بالأمل

محكومات بالأمل، فما زالت آذاننا ترقب وقع خطى الغائب الحاضر.
هو الموت البطيء لنا، هو حكاية عشناها في ظل الغياب لنواجه أقسى تحديات القدر بشجاعة وألم. ونكسر الصمت ولننتصف لحقوقنا بحثًا عن حل يخفف عبء الفقد.
استطعنا أن نحول أنفسنا من مجرد منفّذات لأدوار مقولبة مفروضة علينا إلى قائدات في رحلة البحث وحماية العائلة والمناصرة في العمل القانوني والإعلامي والتوثيق ودعم العائلات.
ننادي بالإفراج عنهم وكشف مصيرهم واستعادة رفاة الشهداء منهم.
نحن كالصخرة التي استند إليها الجميع، وعناق دافئ يخفي خلف ابتسامته ألمًا بحجم الكون!

 

ليــس خـــــيارنا.. ولكننا محكومات بالأمل

أعباء النظام القانوني والاجتماعي على النساء المتأثرات بالاختفاء القسري في سوريا

تقرير تحليلي
قامت به رابطة عائلات قيصر بالتعاون مع مؤسسة «بيتنا»، بعد إجراء 50 مقابلة مع سيدات متأثرات بالاختفاء القسري لأحد أفراد أسرهن الرجال في سوريا

 

ملخص تنفيذي

يقدم هذا التقرير تحليلًا لمقابلات مع خمسين سيدة متأثرة بالاختفاء القسري لأحد أفراد أسرتها الرجال في سوريا. ويهدف التقرير إلى إجراء تحليل مقارن بين التجربة الحقيقية لهؤلاء النساء[1] باعتبارهنّ صاحبات المصلحة الرئيسيات، وأثر الأطر والنظم القانونية والاجتماعية القائمة في سوريا. وتظهر تجارب النساء قصور النّظم القانونية في سوريا عن احترام وحماية وإعمال حقوقهنّ، عدا عن تورط هذه النظم في الإمعان في حرمانهنّ من التمتع بحقوقهنّ، خاصة من خلال تكريس التمييز والعنف الهيكليّين على المستوى الاجتماعي. أظهرت تجارب النساء غياب النهج القائم على الحقوق في التعامل مع الاختفاء القسري وأثره عليهنّ، واقتصار التعاطي مع هذا الأثر على تحميل النساء العبء من جهة، أو الاستجابة المؤقتة والمشروطة في كثير من الأحيان.

يخلص التقرير بمجموعة من النتائج بناءً على هذا التحليل المقارن، وتهدف رابطة عائلات قيصر من خلال عرض هذه النتائج إلى رفع الوعي بقضية الاختفاء القسري من خلال النهج الذي يركز على الضحايا وحقوقهم، وإلى توجيه كافة الجهات المعنية نحو التعامل الجدي مع هذه القضية وبناءً على هذا النهج، سواء فيما يتعلق بالاستجابة الفورية، معالجة الأسباب الجذرية، أو مسارات العدالة والعدالة الانتقالية المحتملة. ويمكن تلخيص أهم النتائج الرئيسية على النحو التالي:

  1. إن فشل القانون السوري في الحماية من الاختفاء القسري وآثاره على العائلة عمومًا والمرأة خصوصًا لا يقتصر على عدم انضمام سوريا لاتفاقية حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، إنما يتجلى في القوانين والتدابير النافذة التي – عدا عن أنها تشجع على ارتكاب الاختفاء القسري – تفاقِم التمييز ضد المرأة والعنف المباشر وغير المباشر ضدها من خلال حرمانها من التمتع بالعديد من حقوقها نتيجة الاختفاء القسري للرجل في عائلتها.
  2. لا قيمة فعلية لحق العائلات بالمعرفة في القوانين والإجراءات السورية، وعبء التمتع بهذا الحق مُلقى على النساء على وجه التحديد ليس بسبب النصوص القانونية وحسب، إنما لكونها إما نابعة من أو داعمة للنُّظم الاجتماعية الأبوية.
  3. تجارب النساء دليل عملي على اقتصار إعمال السلطات السورية لالتزاماتها وفقًا لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة على بعض التشريعات والهيئات. بمقارنة تلك التجارب مع تفسيرات أحكام هذه الاتفاقية، يتجلى كيف فشلت الدولة في الإيفاء بأغراض وأهداف الاتفاقية وفي مقدمتها معالجة التمييز الهيكلي الاجتماعي.
  4. تمثل “شهادة الوفاة” تحدّيًا ينطوي على عدة أعباء مفروضة على النساء المتأثرات بالاختفاء القسري. أولها أن النساء مرغمات على اتخاذ قرار إصدارها بسبب النّظُم والأطر القانونية والاجتماعية القائمة، وثانيها أنهنّ على الرغم من حرمانهنّ من القرار الحر في ذلك، يقعنَ ضحية حلقات عديدة من الصعوبات والمعاناة لإصدارها لأسباب قانونية وإجرائية واجتماعية، وكذلك كنتيجة للانتقال والنزوح القسري.
  5. تمثل صور “قيصر” للعديد من النساء شكلًا من أشكال الحقيقة المنقوصة التي يترتب عليها أعباء إنسانية مجحفة من جهة، واعتبارات قانونية غامضة من جهة أخرى. إن اضطرار النساء لاستخدام تلك الصور للحصول على الحق في الشخصية القانونية والوصول لباقي حقوقهنّ يعتبر بحد ذاته استمرارًا للكرب والحزن الناتجين عن الاختفاء القسري وعدم معرفة مصير ومكان وجود الضحية. لا يجب اعتبار صور “قيصر” كشفًا للحقيقة ولا يجب اعتبار إكراه النساء على الإقرار بمصير الضحايا موافقة مستنيرة منهنّ على حصولهنّ عليها.
  6. تغيب بشكل عام تدخلات الدعم القائمة على الحقوق من كافة الأطراف المعنية سواء كانت رسمية أو إنسانية وحقوقية، وتقتصر على الإغاثة الموضعية المؤقتة التي تشكل بحد ذاتها تحديًا آخر للنساء نظرًا للسياسات والمتطلبات الإدارية والإجرائية التي لا تتمايز عن تلك المطلوبة لأية إجراءات تحتاجها النساء في أي مجال من حياتهنّ المتأثرة بالاختفاء القسري.
  7. انعكست بعض الممارسات التوثيقية التي لا تستوفي المعايير الاحترافية والأخلاقية سلبًا على النساء لجهة جهود البحث عن الضحية وإدارة التوقعات ومنع الصدمة والاستجابة للحاجات، مما ساهم في تغييب دورهنّ المركزي والتعامل معهنّ كمصدر للمعلومات فقط. أفقدت هذه الممارسات ونتائجها العديد من النساء ثقتهنّ بالجهد الحقوقي وضاءل من أملهنّ واستعدادهنّ على المشاركة الفعالة فيه، مما سيتطلب جهدًا أكبر لاحقًا لإخراطهنّ بشكل فعال كركيزة للعمل على قضاياهنّ.
  8. تتسع دائرة الحقوق المتأثرة بالاختفاء القسري في تجارب النساء لتكون طويلة الأمد وفادحةً ليس بحقهنّ وحسب، إنما بحق أفراد عائلاتهنّ خاصة الأطفال. تتضافر النُظم القانونية والاجتماعية القائمة في التأثير الجسيم ليس فقط على حزمة الحقوق المدنية والسياسية، إنما على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أيضًا. إن الآثار التي تترتب على الحق في التعليم، والمستوى المعيشي اللائق، والصحة، والحماية الخاصة للأمهات، والعمل، والضمان الاجتماعي، وحماية الأطفال ورفاههم، هي بعض من تلك الحقوق التي تمتد آثار ونتائج انتهاكها لأجيال في المستقبل.
  9. يتجلى غياب المعرفة كعنصر مشترك في تجارب جميع النساء، سواء فيما يتعلق بالتدابير الفورية عقب الاختفاء، أو في التعامل معه على المدَيَين القريب والبعيد، وكذلك على مستوى الحقوق الواجب إعمالها لهنّ. لم يتغير هذا الواقع بالنسبة للنساء مقارنةً بطول المدة التي عقبت الاختفاء أو الانتقال وتغير البيئة التي تفاعلنَ فيها. لم تمرّ النساء بتجارب فعلية تدلّ على وجود جهود حقيقية لتزوديهنّ بالمعرفة المستنيرة حول هذه القضايا من مختلف الجهات الرسمية وغير الرسمية.
  10. يُفرض على النساء المتأثرات بالاختفاء القسري عبء التعامل مع صراع البقاء والهوية نظرًا للمنظومة القانونية والاجتماعية القائمة والتي تفرض عليهنّ تناقضات غير منطقية كإجبارهنّ على تحمل الأعباء الاقتصادية الناتجة عن الاختفاء، بينما تجبرهنّ في الوقت ذاته على الخضوع للأنماط الاجتماعية القائمة على التمييز الجنساني وهرمية السلطة الأبوية.
  11. أبرزت تجارب بعض النساء فئةً من الضحايا والعائلات التي عادة – في الأدبيات المتوفرة على الأقل – ما يتم تغييب دراستها والتعامل معها، وهم ضحايا الاختفاء القسري من الموظفين الرسميين في إطار الأجهزة الأمنية والعسكرية السورية. تعرضت النساء المتأثرات باختفاء هذه الفئة لأنماط إضافية من الأعباء القانونية والإجرائية والاجتماعية، ووجدنَ أنفسهنّ في دائرة الوصم والاتهام رسميًا واجتماعيًا وما ينتج عن ذلك من أثمانٍ يدفعنها من حقوقهنّ.
  12. يعتبر إنشاء المؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين في سوريا نموذجًا عمليًا لما قد يحققه الضحايا وعائلاتهم، خاصة النساء، عندما يتمكنون من ممارسة دورهم الطبيعي في مركز القضايا الحقوقية. وهذا يعتبر فرصةً لوضع النساء المتأثرات بالاختفاء القسري، خاصة داخل سوريا، في موقعهنّ المفترض في سياق العنصر الهيكلي للضحايا والعائلات في المؤسسة المستقلة. كما تشكل المؤسسة المستقلة من خلال اختصاصها المتعلق بدعم عائلات الضحايا مدخلًا مناسبًا لتفعيل النهج القائم على الحقوق في الاستجابة للآثار الناجمة عن الاختفاء القسري.
  13. أثبتت تجربة روابط الضحايا والعائلات في قيادة العمل على ملف المعتقلين والمختفين قسريًا نجاحًا واضحًا بما يمكن البناء عليه في ريادة التفاعل والوصول لمجتمعات الضحايا والعائلات على نطاق أوسع، وعلى لعب دور محوري في عمليات التحقق والبحث وتجنيبهم ممارسات الابتزاز والاستغلال وسوء إدارة التوقعات. يُعتبر التوجه نحو تشكيل روابط جديدة أو تحقيق المزيد من الوصول للروابط القائمة أحد ركائز النهج الذي يرتكز على الضحايا ويضمن تمثيلًا شاملًا وأوسع لهم ويمكنهم من المشاركة القيادية في مسارات الحقيقة والعدالة.

[1] يستخدم هذا التقرير مصطلح “النساء” للإشارة تحديدًا إلى السيدات المتأثرات بالاختفاء القسري اللواتي تمت مقابلتهنّ.

 

ليس خيارنا ولكننا محكومات بالأمل

 

ويبقـى أملنا أن ننتصف لحقوقنا وتتحقق العدالة

 

شكر وتقدير

يتوجه مُعدّ هذا التقرير بجزيل الشكر والتقدير للسيدات الخمسين اللواتي – وعلى الرغم من كل الظروف التي يواجهنَها – أقبلنَ على مشاركة تجاربهنّ والتعبير عن رؤاهنّ بشجاعة وصبر وإصرار. كما يتوجه بالشكر لرابطة عائلات قيصر خاصةً فريق التوثيق على تفانيهم في الإعداد مع مُعدّ التقرير بشكل مسبق للتواصل مع السيدات وخلال مقابلتهنّ وفي تحليل نتائج المقابلات.

 

الطبعـــة الأولـــى – 2024

جميع حقوق الطبع والنشر والنسخ محفوظة لرابطة عائلات قيصر – 2024

www.caesarfamilies.org