ميثاق حقيقة وعدالة
رؤية مشتركة حول قضية الإخفاء القسري والاعتقال التعسفي في سورية من منظمات الضحايا السوريين وأفراد أسرهم
ملخّص تنفيذي
منذ العام 2011 وسع النظام السوري أساليبه الوحشية لإسكات الأصوات المعارضة ومواجهة أي نشاط سياسي. استخدمت هذه الأساليب التي تتضمن الإعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب والمعاملة اللاإنسانية بجميع أشكالها على نطاق واسع دون محاسبة أي من الجناة. استمر النظام السوري في ممارسة هذه الانتهاكات متعمدا إنكار وتجاهل حقوق الضحايا وعائلاتهم. تضاف غالبية الفصائل المسلحة والتنظيمات الراديكالية وسلطات الأمر الواقع، وبالأخص الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، إلى لائحة المنتهكين فتُقدم على تكرار كافة الممارسات الشنيعة منها الإخفاء في المناطق التي سبق أن كانت تحت سيطرتها.
تبدأ مسيرة السلام وإعادة الإعمار في سوريا ومن أجل السوريين بمعرفة الحقيقة وتحقيق العدالة لضحايا الإنتهاكات الجسيمة. فلا يمكن أن تنجح محادثات السلام وسبل التفاوض في ظل حرمان عائلات الضحايا من معرفة مصير المعتقلين والمفقودين منهم وفي ظل غياب إجراءات بناء الثقة الّتي نص عليها قرار 2254 ومن دون التطرق إلى قضية الإعتقال والإخفاء القسري باعتبارها مسائل ذات أولوية قصوى.
في هذا السياق، عملت مجموعة من 5 روابط على صياغة ميثاق حقيقة وعدالة (يشار إليه هنا بالميثاق). أُسست هذه المجموعات من ضحايا وناجين وأفراد أسر ضحايا الإخفاء القسري والاعتقال التعسفي وجميع الإنتهاكات المرتبطة بالإخفاء القسري والإعتقال التعسفي والإعدام خارج نطاق القانون والتعذيب والإنتهاكات الجنسيّة.
يشكل الميثاق مبادرة مستقلة تعبّر عن أصوات الضحايا وأفراد أسرهم، وتوحّد الرؤية وإطار العمل العام بشأن مسألة الإخفاء القسري والإعتقال التعسفي في سورية. باختصار، تتمحور رؤيتنا حول أصوات الضحايا وسرديّتهم إذ لا يمكن لأي حل أو نهج أن يكون شرعيا دون مراعاة الإطار الوارد في الميثاق واعتماده.
تمثل الجمعيات الخمس، الضحايا والناجين\ات من هذه الممارسات الوحشية في سورية، ويُقدم الميثاق باعتباره “وثيقة حية” مفتوحة لتعليقات ومشاركة الفئات المتضررة الأخرى التي تتّفق مع المبادئ والأسس الرئيسية التي يقوم عليها. إننا نشدد على أهمية تطوير رؤية موحّدة مع مجموعة مطالب للمبادرات المشتركة بين مجموعات الضحايا في المستقبل من أجل بلوغ أهدافنا على المستويات المحلية والإقليمية والدولية من خلال الحشد والمناصرة الفعالة.
يرتكز هذا الميثاق على المبادئ القانونية والمعايير الإنسانية الدولية المستندة إلى مختلف أفرع القانون الدولي ذات الصلة بالإعتقال التعسفي والإخفاء القسري في سورية. ويُحدد الميثاق “رؤية الضحايا” بما يتعلق بالعدالة وجبر الضرر والمساءلة ومستقبل سورية.
إن الوصول إلى عدالة شاملة تلبي احتياجات وتطلعات الناجين\ات والضحايا وأفراد أسرهم هي عملية طويلة الأمد ستشمل مراحل تراكمية. كل هذه المراحل ضرورية، لكننا كضحايا نرى أن بعض العناصر ملحة للغاية، في حين أن البعض الآخر قد يستغرق وقتاً أطول لتحقيقه. لذلك نفرق بين عدالة قصيرة الأمد وعدالة طويلة الأمد. على المدى القصير، هناك إجراءات فورية لا بد من اتخاذها لوقف الانتهاكات المستمرة والتخفيف من معاناة الناجين\ات والضحايا وعائلاتهم. أما على المدى المتوسط إلى الطويل، فلدينا مطالب إضافية لضمان العدالة الشاملة ومنع تكرار الجرائم التي عانينا وما زلنا نعاني منها.
لتحقيق العدالة، يجب تلبية المطالب التالية :
- الإفراج الفوري عن المعتقلين/ات وكشف مصير المخفيين/ات والمغيبين/ات قسرًا.
- الوقف الفوري للتعذيب والمعاملة اللاإنسانية والجرائم الجنسية في المعتقلات والسجون.
- تسليم رفات المتوفين.
- يجب أن لا يكون الإفراج عن المعتقلين/ات والكشف عن مصير المخفيين قسراً مرهوناً بالمفاوضات أو باتفاقيات تبادل الأسرى بين أطراف النزاع وضامنيها.
- نرفض التعامل مع جميع المعتقلين/ات والمختفين/ات قسراً خلال النزاع في سورية باعتبارهم/هن مشاركين/ات في الأعمال العدائية. يشكل معتقلو الرأي والضمير والناشطون السلميون والإعلاميون والمدافعون عن حقوق الإنسان النسبة الكبرى من هؤلاء. بناء على ذلك يجب معاملتهم كمدنيون بحكم التوصيف القانوني، وتنطبق عليهم/ـهن موجبات الحماية المنصوص عليها في المبادئ والأعراف القانونية كافة.
- إلغاء المحاكم الميدانية والاستثنائية.
- توفير محاكم عادلة مدنية مستقلة تراعي المعايير الدولية وتضمن حق المحاكمة العادلة.
- ضمان التعويض المناسب وجبر الضرر.
- الإعتراف بحقيقة ما حدث بشكل رسمي وتطوير سردية تارخيّة دقيقة وحفظها لتمهيد الطريق إلى اعتراف رسمي وعلني من قبل حكومة سورية جديدة مسؤولة عن عملية العدالة الانتقالية.
- إجراء إصلاحات كبيرة على صعيد المؤسسات الأمنية والقضائية مع مراجعة كاملة لممارساتها.
- التأكد من أن مرتكبي الجرائم لن يكونوا جزءاً من أي مؤسسة مكلّفة بإقامة العدالة والمحاسبة.
وفيما يتعلق برؤية الضحايا لعملية المحاسبة وضمان منع الإفلات من العقاب، ينبغي اتخاذ الخطوات التالية لإرساء أسس العدالة الانتقالية الحقيقية والفعالة التي يمليها السلام وليس الانتقام:
- تشكيل آلية محاسبة عادلة بضمانات دولية من دون أي حصانات للجناة.
- على جميع الدول تحمل مسؤولياتها القانونيّة والإنسانيّة في إحالة ملف سورية إلى محكمة الجنايات الدولية.
- التعاون الكامل مع “الآلية الدولية المحايدة والمستقلة” وتعزيز قدراتها ومواردها.
أما بالنسبة لمسارات السلام ومستقبل سورية فيحدّد الميثاق التوصيات التالية:
- على دستور البلاد أن يتضمن مكونات أساسية وبنوداً تفصيلية تضمن حقوق المواطنين/ات وكرامتهم/ـهن بشكل كامل، ويعزيز ّتجريم الإخفاء القسري والتعذيب والاعتقال والمحاكمة خارج إطار القضاء، مع التأكيد أن المشكلة في سورية لا تكمن في المضامين الدستورية فحسب، إنما تكمن في العلاقة المختلة بين النظام السياسي والمجتمع، وفي القوانين والأنظمة والقرارات والأدوات الأمنية والقمعية التي تستند إلى الدستور شكلاً وتخالفه مضموناً في كثير من الأحيان.
- يحق للناجين\ات والضحايا وأسرهم\ن المشاركة في تشكيل مستقبل سوريا، ولا يحق لأي جهة ادعاء تمثيلهم/ـهن دون إقرارهم/ـن بذلك، سواء أكانوا داخل أو خارج سورية. ويجب اعتبار مطالب الضحايا وعائلاتهم/ـهن، المتمثلة بالإفراج الفوري عن المعتقلين/ات والكشف عن مصير المفقودين والمغيبين قسراً والوقف الفوري للتعذيب وإلغاء المحاكم الاستثنائية، مطالبَ إنسانية فوق تفاوضية، وشرطاً أساسياً للبدء في أي مباحثات أو الجلوس على أي طاولة مفاوضات.
- تُعدّ عملية إعادة الإعمار جزءاً من عملية إعادة بناء المجتمع والدولة السورية على أسس تضمن كرامة المواطن السوري، فلا يمكن البدء بعملية إعادة الإعمار قبل تحقيق المطالب العاجلة المتعلّقة بالمعتقلين والمخفيين قسرا، ولا يجب السماح لعمليات إعادة الإعمار والتعافي المبكر انتهاك حقوق الضحايا في الإسكان و الأرض والملكية.
- لا يمكن لعملية العودة الطوعية أن تبدأ مع استمرار آلة الاعتقال والتعذيب والإخفاء القسري. لضمان عودة آمنة وكريمة وطوعية للمهجرين من نازحين ولاجئين يجب أولاً اتخاذ إجراءات لضمان السلامة و لبناء الثقة بالإضافة إلى الإجراءات التي يحددها الميثاق.
باختصار، يجب أن يكون الضحايا وأسرهم في مركز مسار العدالة والحقيقة والمحاسبة من أجل الدفاع عن حقوقهم وإرساء الأسس لدولة سورية تحترم حقوق وكرامة مواطنيها.
المؤسّسون الموقّعون على هذا الميثاق:
- رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا وهي جمعية تضامنية مستقلة تسعى لكشف الحقيقة وتحقيق العدالة للمعتقلين الذين اعتقلوا على خلفيّة آرائهم أو نشاطهم السياسي. تسعى إلى إطلاق سراح المعتقلين والكشف عن مصير المفقودين والمخفيين قسراً في سورية عامة وفي صيدنايا خاصة.
- رابطة عائلات قيصر: هي مجموعة من العائلات التي فقدت أحباءها تحت التعذيب أثناء الإعتقال أو الإخفاء القسري في سجون النظام السوري. تعرفت الأسر على أقاربها في صور قيصر التي سربها منشق عن جهاز الإعتقال لدى النظام السوري. تهدف الجمعية إلى توحيد أصوات الأسر، والمطالبة بالحقيقة والعدالة والتعويض لضحايا التعذيب والإخفاء القسري في سورية.
- تحالف أُسر الأشخاص المختطفين لدى تنظيم الدولة الإسلامية، داعش (مسار): هو مجموعة من أفراد أُسر المختطفين من قبل تنظيم داعش أثناء سيطرته على أراض سورية. تعمل المجموعة على كشف مصير الأشخاص الذين اختطفهم داعش وتسعى إلى تحقيق العدالة لهم. تهدف أيضا إلى مساعدة أسر المخطوفين في المطالبة بالتعويض وجبر الضرر.
- عائلات من أجل الحرية: هي حركة سورية تقودها نساء سوريات لديهن أحباء معتقلين أو مخفيين قسرياً. تسعى الحركة إلى وضع حد لحالات الإخفاء القسري والإعتقال التعسفي الذي يرتكبه النظام السوري وأطراف النزاع الأخرى.
- تعافي:هي مبادرة سورية يقودها الضحايا وتتمحور حولهم. تهدف المبادرة إلى دعم وحماية ضحايا الإعتقال والتعذيب والإخفاء القسري بعد إطلاق سراحهم و واستقرارهم في مكان آمن، وذلك لكي يحظوا بفرصة التمكن من الاستمرار في دعم حقوق الإنسان في سورية بشكل سلمي والسعي لتحقيق العدالة والمساءلة.