تأتي الأيام الاخيرة من شهر رمضان المبارك، لتذكرني باواخر صيف عام 2012، كنت فيها وابي وامي واخي مروان وسامي في فناء بيتنا الريفي في أطراف القنيطرة، المنزل الصغير الذي لجأنا إليه هاربين من ريف دمشق.
وكنا في منزلنا الريفي الصغير، كان لكأس الشاي في أيدينا النصيب الأكبر في ساعات الانتظار الطويلة، ,وادور بنظري على عتبة المنزل وانظر بعيدا الى ذاك التل اللعين، تل الشعار، وبين مشهد التل وكاسات الشاي، دارت بي الأفكار لأغرق في اسئلتي ، ليدور معهما السؤال مجددا عن طبيعة هؤلاء البشر و كل ما قاموا به من اجرام، في ذاك التل كانوا منهمكين بملئ مدافعهم بقذائف لم تتوقف منذ الفجر، قذائف عمياء لا تميز اين ستهبط، او من ستقتل. ليستمر دوران تلك الأفكار الى أن ينتشلني صراخ ابي وامي في شجار سياسي بامتياز.
في حديث والدي الذي اعتدنا تكراره بين حين وآخر:
امي: يا سامي، لازم تترك جيش هذا المجرم بشار.
ابي: الوقت مش مناسب لهذا الحديث.
لتجيب امي التي لا تقرأ ولا تكتب: طيب وأطفال درعا واطفال سوريا.
برد حاسم حاد من أبي الخريج الجامعي: سيقتلونك انت وابناء ايضا ساعتها.
أمي وهي محتدّة: نموت مظلومين خيرا من ظالمين
استمر الصراخ المتقطع كل حين يتخلله ضحكات من اخوتي في كل مرة تنفعل فيها امي، واستمر صمتي، واستمرت الساعات الثقيلة من الانتظار…
دارت السنون ومرت 10 سنوات، ورغم ثقل تلك الساعات وطولها، إلا أن الدقائق التي مرت وانا ارى صور اخي مروان بين صور قيصر كانت الأطول، تنافس في طولها لحظات اخباري بان اخي سامي ايضا قُتل بقصف من قوات النظام، ربما ضحكاتهم يومها على كلمات امي كانت الإجابة على أنهم سيموتون مظلومين. لم تنتهي لحظاتي الطويلة الثقيلة، بل زاد عليها مرض والدتي بمرض نادر، وهي البعيدة في كندا عنّا جميعا وابي، تقضي أيامها وابي هناك غير قادرة حتى على السؤال عن ابنها الذي أمرته بترك الجيش، ونحن لم نخبرها عنه رحمة بها، وانا ما زلت اراقب بصمت…
كتبت هذا قبل وفاة امي عليها رحمة الله واليوم امي رحلت وغادرت هذه الدنيا ولعلها تلقى أولادها هناك.