نحن روابط الضحايا وأُسر أكثر من مئة ألف سوري/ة مخفي قسراً منذ عام 2011 نضع البحث عن المفقودين والمخفيين قسراً وكشف مصيرهم ومكان وجودهم في أولوية عملنا ونرى فيه خطوةً أساسية في بناء السلام في سوريا. لكن البحث هذا يشكّل عملية معقدة تتطلب موارد وقدرة كبيرة وجهود تنسيق بين المؤسسات الحكومية والهيئات الدولية ومجموعات الضحايا وجمعيات المجتمع المدني وخبراء أنثروبولوجيا الطب الشرعي. لذا، أصبح مُلحاً إيجاد المؤسسة التي أوصى بإنشائها أمين عام الأمم المتحدة بشكل عاجل، لأن التأخير يعني فقط تعقيد المسالة أكثر فأكثر.
منذ أسابيع قليلة، شكّل الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا في 6 شباط/فبراير 2023 كارثة عالمية وفاقم أوضاع السوريين/ات بشكل كبير، بمن فيهم المخفيين قسراً والمفقودين. فمن بين ضحايا الزلزال، أفراد عائلات مفقودين خسروا حياتهم قبل أن تتسنّى لهم رؤية وجوه أحبائهم والكشف عن مصيرهم. وخسارتهم تعني أيضاً فقدان أدلة وشهادات كانت لتكون أساسية في إنقاذ المعتقلين والمخفيين قسراً الذين لا يزالون على قيد الحياة.
من خلال التصويت، وبأسرع وقت ممكن على إنشاء آلية دولية تكون معنية بالكشف عن مصير المفقودين وتقديم الدعم اللازم لروابط الأُسر، بمقدور الدول أعضاء الأمم المتحدة انقاذ حياة من لايزال حياً واتخاذ موقف واضح لصالح القيم الإنسانية الدولية التي ينص عليها ميثاق الأمم المتحدة.
قضية المفقودين والمخفيين قسراً ليست بجديدة أصلاً في سوريا. فمنذ أواخر السبعينيات، اعتمدت السلطات السورية سياسة الإخفاء القسري ضد كل من اتبع نهج المعارضة السياسية والرأي النقدي والنشاط الحقوقي. وتشير التقديرات إلى وقوع أكثر من 17 ألف حالة اختفاء خلال فترة حكم حافظ الأسد، يعود معظمها إلى ثمانينيات القرن الماضي.
تصاعد استخدام الإخفاء قسراً بشكل كبير منذ انتفاضة 2011. واليوم، لا يمكن تحديد العدد الدقيق للمخفيين في سوريا نظراً إلى أن الغالبية العظمى من السجون ومراكز الاحتجاز لا تزال محظورة على المراقبين[1]. وفقاً للشبكة السورية لحقوق الإنسان (SNHR)، تم اعتقال واختطاف وإخفاء حوالي 100.000[2] في سوريا منذ عام 2011، ما لا يقل عن 90 ألفاً منهم على أيدي القوات الحكومية.
قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2139، الذي تم تبنيه في فبراير/شباط 2014، أدان بشدة عمليات الاختطاف والإخفاء القسري في سوريا، وطالب بوقف فوري لهذه الممارسات والإفراج عن جميع الأشخاص المحتجزين تعسفاً. مع ذلك، لم تُتخذ خطوات ملموسة لتنفيذ هذا الجانب من القرار، وفشلت جولات متعددة من المفاوضات السياسية في تحقيق أي تقدم.
في 2016، بدأتْ تتشكل روابط الضحايا وأُسرهم وشرعتْ تأخذ على عاتقها مسؤولية المطالبة بذويها المفقودين. وفي 10 شباط/فبراير 2021، أطلقتْ 5 روابط منها، أصبحت عشرة في وقت لاحق، ميثاق الحقيقة والعدالة الذي أوضح رؤية الضحايا لعدالة قريبة المدى مرتبطة بإجراءات عاجلة مُنقذة للحياة، مثل إطلاق سراح المعتقلين وتحديد مصير المخفيين، وعدالة بعيدة المدى مثل جبر الضرر ومحاسبة الجناة. تجسيداً لهذه الرؤية، تم إطلاق دراسة حول ضرورة إنشاء آلية مخصصة لكشف مصير المفقودين في سوريا بعنوان (إنهم بشر، ليسوا أرقام).
وبتاريخ 24 ديسمبر/كانون الأول 2021، صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار 228/76 الذي طلب من أمين عام الأمم المتحدة إجراء دراسة بالتشاور مع المفوضية السامية لحقوق الإنسان حول كيفية تعزيز الجهود، بما في ذلك من خلال التدابير والآليات القائمة، لتوضيح مصير ومكان وجود المفقودين في الجمهورية العربية السورية، والتعرف على الرفات البشرية وتقديم الدعم لأسرهم.
بعد أشهر، جاءت الدراسة المنشودة لتلبّي تطلعات العائلات إذ أوصت بإنشاء مؤسسة معنية بالكشف عن مصير المفقودين وبدعم الضحايا. وقد التزمت الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرارها 230/77 الصادر بتاريخ 15 ديسمبر/كانون الأول 2022، باتخاذ المزيد من الإجراءات لمعالجة مسألة المفقودين، مع ضمان إشراك الناجين وعائلاتهم في جميع مراحل العملية.
الآن، وبصفتكم دول أعضاء في الأمم المتحدة، تستطيعون الحيلولة دون رمي هذه القضية في طيّات النسيان، ذلك أن الطريق بات جلياً بعد أن رسمه قرارَا الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 228/76 ورقم 230/77 لمعالجة هذه الأزمة. لا يمكنكم هدر هذه الفرصة الثمينة، إذ لدينا اليوم توصيات واضحة من الأمين العام بشأن حل للأزمة. وذلك يعني أن زمنَ النقاشات انتهى، وقد حان وقت الأفعال، إلا إذا كنتم تقبلون كدولة عضو تحمُّل مسؤولية تأخير مساعي الحل وفتح الباب أمام المُخرّبين ليُعرقلوه ويقوّضوه.
من هنا، ندعو جميع الدول الأعضاء إلى تقديم الدعم لتنفيذ توصية الأمين العام من خلال إصدار قرار عن طريق الجمعية العامة بإنشاء مؤسسة معنية بالكشف عن مصير المفقودين مع الحرص على تضمين دور محوري وفعال للضحايا ضمن اختصاص عمل المؤسسة.
إن فرصة إنشاء آلية كهذه لن تتكرر. لذا، على الدول الأعضاء أن تتحمل مسؤوليتها أمام التاريخ وأمام مئات الآلف من السوريين/ات المتأثرين بجريمة الإخفاء القسري. وما تضييع هذه الفرصة سوى خطأ تاريخي كبير بحقهم.
روابط ميثاق الحقيقة والعدالة:
- الاتحاد العام للمعتقلين والمعتقلات
- رابطة “تآزر” للضحايا.
- رابطة معتقلي عدرا
- تحالف أسر الأشخاص المختطفين لدى تنظيم الدولة الإسلامية – داعش (مسار)
- عائلات للحقيقة والعدالة
- منظمة حررني
- مبادرة تعافي
- رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا
- رابطة عائلات قيصر
- عائلات من أجل الحرية
[1]السلطات السورية عموماً لا تسمح للمحتجزين بأن يكونوا على اتصال بالعالم الخارجي فتترك عائلاتهم تتساءل عما إذا كان أقاربهم المحتجزون على قيد الحياة أم أمواتاً.
[2] الشبكة السورية لحقوق الإنسان، سجل الاختفاء القسري: حصيلة الاختفاء القسري | الشبكة السورية لحقوق الإنسان (snhr.org)