ماهي محكمة لاهاي, أو محكمة العدل الدولية؟
محكمة العدل الدولية كما جاء في المادة الأولى في نظامها الأساسي، هي محكمة تم انشائها بموجب ميثاق الأمم المتحدة لتكون الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة وتعمل وفق نظامها الأساسي، وهذا بالتالي ما يعطيها صبغة دولية، كونها تمثل الأمم المتحدة قضائياً، وقد حاولت هيئة الأمم منذ انشاء المحكمة، العمل على أن تكون الهيكلية الداخلية لها هي هيكلية تتمتع بالإستقلالية لضمان حسن سير المحاكمات دون تحيز من بعض أعضائها للدول التي تمثل أمام المحكمة، وقد نص النظام الأساسي حرفياً على ذلك في المادة الثانية والثالثة، ففي المادة الثانية جاء جاء أن هيئة القضاء في المحكمة هي هيئة قضاء مستقلة يتم انتخاب اعضاءها من ذوي الأخلاف والمؤهلات الجيدة، ومن أجل تأكيد شمول هيكلية المحكمة على مبدأ التوازن والعدل جاء في المادة الثالثة من النظام الأساسي، التأكيد على ان لا يكون عضوان في الهيئة القضائية في المحكمة من ذات الدولة، وهذا بالتالي ما سيجعل وجود 15 قاضي في المحكمة من دول مختلفة هو الشرط الرئيسي لانعقاد هيكلية المحكمة قانوني من حيث الشكل.
وفي حقيقة القول إن محكمة لاهاي وبالرغم من كونها محكمة تمثل الأمم المتحدة، إلا أنها في الحقيقة هي تجمع قضائي يمثل المجموعات الوطنية (الدول) التي باتت جزء من منظومة الأمم المتحدة، وهذا يظهر بشكل واضح من خلال طريقة إنتخاب أعضاء المحكمة، حيث يتم انتخابهم من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن، وذلك من بين الأعضاء الذين رشحتهم المجموعات الوطنية في محكمة التحكيم الدائمة في الأمم المتحدة، ولم تتوقف الأمم المتحدة عند هذا الحد من محاولة العدل والمساواة في إنشاء هيكلية المحكمة، بل أتاحت لأعضاء الأمم المتحدة غير الممثلين في محكمة التحكيم الدائمة، أن يرشحوا مرشحيهم عبر المجموعات الوطنية المعنية بهذا الشأن، وأضافت الأمم المتحدة بنداً يمكن وصفه بأنه دعوة للجميع من أجل المشاركة في انشاء هذه المحكمة، وجاء فيه إن الدول غير المنضمة لهيئة للأمم المتحدة يمكنها المشاركة في إنتخاب أعضاء المحكمة.
إختصاص محكمة لاهاي، وعلاقة سوريا بهذا الإختصاص:
محكمة لاهاي تختص بشكل مباشر بالنزاعات او القضايا المعروضة عليها التي يكون أطرافها دولاً، وبالتالي فإن طرفا القضية هما دولتان او مجموعة من الدول.
وتختص المحكمة بجميع النزاعات والقضايا المعروضة أمامها، وتحديداً الاتفاقيات الدولية والعرف الدولي والمبادئ العامة للقانون المعترف به من قبل الدول المتحضرة.
وفي الحقيقة فإن ما يحدث الآن هو ان كل من الدولة الكندية والدولة الهولندية، قد رفعتا قضية على حكومة النظام السوري في دمشق، تتعلق بانتهاكات في مجال حقوق الإنسان وتحديداً في مجال المعتقلين والمختفين قسرياً وملف التعذيب في سجون النظام السوري.
إن الأهمية الكبيرة التي يمكن لحظها على مستوى تطبيق قوانين الأمم المتحدة على القضية المعروضة أمامها، هو في أن النظام السوري كونه يدعي انه الحكومة الشرعية في سوريا، فعليه أن يتحمل مسؤولياته أمام الأمم المتحدة، سيما ان القضية مرفوعة من حكومتي دولتين في هيئة الأمم المتحدة (كندا-هولندا)، على حكومة النظام السوري التي لا تزال جزء من هيئة الأمم المتحدة، وهذا بالتالي ما سيضع النظام السوري في دمشق أمام مسؤولياته كنظام يدعي الشرعية من جهة، وكمسؤولية قانونية من جهة ثانية تتبع لإدعائه الشرعية، وفي النهاية فقد تصل القضية الى تنفيذ أحد مطالب الشعب السوري وهي وقف انتهاكات حقوق الإنسان ومعرفة مصير المعتقلين والمختفين.
فضلاً عن ذلك فإن النظام السوري يعترف بإحدى اهم القوانين الدولية، التي تتضمنها الدعوى المعروضة حالياً، ففي عام 2004 أصدر بشار الأسد مرسوم رقم 39، المتضمن توقيع اتفاقية مناهضة التعذيب برعاية الأمم المتحدة، وهذا بالتالي مؤداه أنه وفي حال عدم حضور النظام السوري (المدعي عليه) للجلسات المعروضة في القضية، أن يطلب الطرف المدعي ان تُقرر القضية لصالح دعواه وهذا ما جاء صراحة في المادة الخامسة والثلاثون من النظام الأساسي لمحكمة لاهاي.
هل استفادت الدول والمنظمات من التجارب السابقة في كيفية التعامل مع النظام السوري؟
في مجمل الملفات التي تتعلق بذات السياق والتي تمت مطالبة النظام بتنفيذها، كان النظام دوماً يحاول الهروب الى الأمام من خلال اقتراح العمل على مسارات جديدة توازي المسارات المطروحة، في هذا السياق فإن الدعوى المعروضة حالياً أمام محكمة لاهاي قد خطت خطوة مهمة للغاية، من اجل وقف أي محاولة للنظام للإلتفاف على المطالب المعروضة، وهذا ظهر من خلال ما يسمى الاجراءات الوقتية التي طالبت بها كل من هولندا وكندا في القضية المرفوعة منهما.
وللدخول في تفصيل أكثر حول مطالب القضية فإنه يمكن تلخيصها بما يلي:
-عنوان القضية هو أن سوريا تنتهك الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب.حيث أشارت القضية الى جملة من الانتهاكات على رأسها المعاملة غير القانونية للمحتجزين والاختفاء القسري والعنف.
-من أجل وقف محاولات النظام السوري للتهرب من التزاماته القانونية، طالبت الدولتان بإتخاذ تدابير مؤقتة نهدف الى وقف الانتهاكات المستمرة ودعم خطوات اجراءات المساءلة في المستقبل.
من بين التدابير المؤقتة المطلوبة أن يقوم النظام السوري باتخاذ تدابير فعالة لوقف ومنع جميع أعمال التعذيب وغيره من المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة؛ وعدم إتلاف أي دليل يتعلق بالقضية، والكشف عن مواقع دفن الأشخاص الذين قضوا بسبب التعذيب، وإطلاق سراح أي شخص محتجز بشكل تعسفي أو غير قانوني، وإنهاء جميع أشكال الاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي، والسماح للمراقبين المستقلين والعاملين الطبيين بالوصول إلى مواقع الاحتجاز الرسمية وغير الرسمية، ومن بين الاجراءات أيضاً إصدار قرار يفرض على النظام أن يقدم لها تقريرا عن الخطوات المتخذة لتنفيذ أمر التدابير المؤقتة في موعد لا يتجاوز ستة أشهر من صدوره وكل ستة أشهر بعد ذلك إلى حين حل النزاع.
كيف يمكن أن يشارك المجتمع المدني السوري بالمساعدة للوصول الى الحقيقة؟
فتحت محكمة العدل الدولية استناداً للمادة 34 الفقرة الثانية، الباب أمام المنظمات الدولية، أما بطلب من الهيئة القضائية في المحكمة، أو بمبادرة من المنظمات هذه، تقديم معلومات تفيد النزاع أو القضية المعروضة على الأمم المتحدة، وهذا ما يمثل مشاركة حقيقية من اطراف خارج النزاع أو القضية المعروضة، للمساعدة في الوصول الى فصل النزاع بشكل موضوعي.
وبالتالي فإن المنظمات السورية او الدولية التي تتعاون معها، فرصة حقيقية للوصول الى مشاركة فعًالة في دعم القضية المعروضة أمام المحكمة، وهذا بالتالي ما سيمثل انتصاراً ولو كان على مستوى المشاركة للمنظمات التي دعت ولا تزال، بضرورة العمل على ملف قضايا المعتقلين والمختفين قسرياً وملف التعذيب في سوريا.